معرض شذرات إبراهيم أشبان بدار الشريفة

نشر هنا بتاريخ 07/05/2025
الحسين أيلان


"شذرات"… حين يُعاد تشكيل المعنى في صمت اللون عن معرض الفنان إبراهيم أشبان بدار الشريفة – مراكش بقلم: الحسين إيلان – فنان تشكيلي في قلب المدينة العتيقة لمراكش، وداخل هندسة دار الشريفة التي تنبض بروح الزمن المتقاطع، يقدّم الفنان إبراهيم أشبان معرضه الجديد تحت عنوان "شذرات – Fragments"، والذي يستمر من فاتح ماي إلى 31 منه، مع افتتاح رسمي يوم الأربعاء 8 ماي 2025. "شذرات" ليس مجرد عنوان. إنه اقتراح بصري مفتوح على الانكسار، على الأثر، وعلى ملامسة تلك المناطق التي لا يُمسك بها الكلام. فأعمال أشبان هنا لا تصرخ، بل تهمس من عمق التجربة، من تآلفات لونية تشبه الأنفاس، ومن طبقات صباغية تتراكم لا لتخفي، بل لتكشف أثر المحو والتكوين. اللوحة عند أشبان لم تعد فضاء للتزيين أو المتعة السطحية، بل تحوّلت إلى أداة للتفكيك وإعادة التركيب، إلى عملية جمالية وفكرية في آن. فالخط واللون عنده يتجاوزان البنية التزيينية ليغوصا في صُلب ما يُرى وما يُخاتل الرؤية. تشكلات لونية تتداخل، تُهمل الخط الفاصل بين الداخل والخارج، وتشتغل على حواف الغياب، كما لو أن الفنان يحاول الإمساك بما يتسرب من المعنى، لا ما يُقال عنه. ما يقدّمه أشبان في هذا المعرض هو دعوة للتأمل البصري، إلى النظر لا بوصفه استهلاكًا، بل بوصفه انخراطًا. إنه يطالب المُتلقي بأن يُعيد التفكير في ما يراه، أن يُبطئ خطاه، أن يُصغي إلى صمت اللون وارتعاش السند، وأن يقرأ اللوحة كما تُقرأ القصيدة الغامضة أو المخطوطة المنسية. في عالم يميل أكثر إلى وضوح مصطنع وإبهار فارغ، يختار إبراهيم أشبان أن يعود إلى الجوهر الصامت، إلى ذلك الركن الذي فيه تتراكم الشذرات الصغيرة لتبني أثرًا. أثر لا يُفسَّر، بل يُعاش. وهكذا، تخرج أعماله عن سلطة الديكور، وتُقيم ثورة ناعمة على الزخرفة، لتؤسس أنساقًا داخلية مشروطة بثقافة بصرية ناضجة. لوحات لا تُمنح مجانًا، بل تُطالب بالاستحقاق، تستفز العين والفكر معًا، وتبني مسارات من التأمل في جوف الغامض. معرض "شذرات" إذًا، ليس محطة عرض فقط، بل مرحلة من مراحل البحث البصري الصبور، الذي يخوضه إبراهيم أشبان بإصرار الفنان الباحث، وبنبض من لا يتوقف عن الإصغاء إلى اللون بوصفه ذاكرة وأثرًا، لا شكلاً فقط.